سورة الصافات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)}
{وَحِفْظًا} نصب على أنه مفعول مطلق لفعل معطوف على {زَيَّنَّا} [الصافات: 6] أي وحفظناها حفظًا أو عطف على {زِينَةُ} باعتبار المعنى فإنه معنى مفعول له كأنه قيل: إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظًا لها، والعطف على المعنى كثير وهو غير العطف على الموضع وغير عطف التوهم وجوز كونه مفعولًا له بزيادة الواو أو على تأخير العامل أي ولحفظها زيناها. وقوله تعالى: {مّن كُلّ شيطان مَّارِدٍ} متعلق بحفظنا المحذوف أو بحفظا، والمارد كالمريد المتعري عن الخيرات من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق، ومنه قيل رملة مرداء إذا لم تنبت شيئًا، ومنه الأمر لتجرده عن الشعر، وفسر هنا أيضًا بالخارج عن الطاعة وهو في معنى التعري عنها وقوله تعالى:


{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)}
{لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الاعلى} أي لا يتسمعون وهذا أصله فأدغمت التاء في السين، وضمير الجمل لكل شيطان لأنه عنى الشياطين.
وقرأ الجمهور {لاَ يَسْمَعُونَ} بالتخفيف، والملأ في الأصل جماعة يجتمعون على رأي فيملؤن العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء، ويطلق على مطلق الجماعة وعلى الأشراف مطلقًا، والمراد بالملأ إلا على الملائكة عليهم السلام كما روي عن السدي لأنهم في جهة العلو ويقابله الملأ الأسفل وهم الإنس والجن لأنهم في جهة السفل.
وقال ابن عباس: هم أشراف الملائكة عليهم السلام، وفي رواية أخرى عنه أنهم كتابهم، وفسر العلو على الروايتين بالعلو المعنوي.
وتعدية الفعل على قراءة الجمهور بإلى لتضمينه معنى الإصغاء أي لا يسمعون مصغين إلى الملأ الأعلى، والمراد نفي سماعهم مع كونهم مصغين، وفيه دلالة على مانع عظيم ودهشة تذهلهم عن الإدراك، وكذا على القراءة الأخرى وهي قراءة ابن عباس بخلاف عنه. وابن وثاب. وعبد الله بن مسلم. وطلحة. والأعمش. وحمزة. والكسائي. وحفص بناءً على ما هو الظاهر من أن التفعل لا يخالف ثلاثيه في التعدية، واستعمال تسمع مع إلى لا يقتضي كونه غير مضمن، وقيل لا يحتاج إلى اعتبار التضمين عليها والتفعل مؤذن بالطلب فتسمع عنى طلب السماع، قيل: ويشعر ذلك بالإصغاء لأن طلب السماع يكون بالإصغاء فتتوافق القراءتان وإن لم يقل بالتضمين في قراءة التشديد، ولعل الأولى القول بالتضمين ونفي طلبهم السماع مع وقوعه منهم حتى قيل: إنه يركب بعضهم بعضًا لذلك إما ادعائي للمبالغة في نفي سماعهم أو هو على ما قيل بعد وصولهم إلى محل الخطر لخوفهم من الرجم حتى يدهشوا عن طلب السماع، وقال أبو حيان: إن نفي التسمع لانتفاء ثمرته وهو السمع.
وقال ابن كمال: عدي الفعل في القراءتين بإلى لتضمنه معنى الانتهاء أي لا ينتهون بالسمع أو التسمع إلى الملأ الأعلى وليس بذاك كما لا يخفى على المتأمل الصادق، والجملة في المشهور مستأنفة استئنافًا نحويًا ولم يجوز كونها صفة لشيطان قالوا إذ لا معنى للحفظ من شياطين لا تسمع أو لا تسمع مع إيامه لعدم الحفظ عمن عداها. وكذا لم يجوز كونها استئنافًا بيانيًا واقعًا جواب سؤال مقدر إذ المتبادر أن يؤخذ السؤال من فحوى ما قبله فتقديره حينئذٍ لم تحفظ فيعود محذور الوصفية، وكذا كونها حالًا مقدرة لأن الحال كذلك يقدرها صاحبها والشياطين لا يقدرون عدم السماع أو عدم التسمع ولا يريدونه، وجوز ابن المنير كونها صفة والمراد حفظ السموات ممن لا يسمع أو لا يسمع بسبب هذا الحفظ، وهو نظير {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} [المؤمنون: 44] {وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ}
[النحل: 12] ومن هنا لم يجعل بعض الأجلة قوله عليه الصلاة والسلام: «من قتل قتيلًا فله سلبه» من مجاز الأول. وتعقب بأن ذلك خلاف المتبادر ولا يكاد يفهم من أضرب الرجل المضروب كونه مضروبًا بهذا الضرب المأمور به لا بضرب آخر قبله، وكذا جوز صاحب الكشف كونها صفة وكونها مستأنفة استئنافًا بيانيًا أيضًا ودفع المحذور وأبعد في ذلك المغزى كعادته في سائر تحقيقاته فقال: المعنى لا يمكنون من السماع مع الإصغاء أولًا يمكنون من التسمع مبالغة في نفي السماع كأنهم مع مبالغتهم في الطلب لا يمكنهم ذلك، ولا بد من ذلك جعلت الجملة وصفًا ولا جمعًا بين القراءتين وتوفية لحق الإصغاء المدلول عليه بإلى وحينئذٍ يكون الوصف شديد الطباق؛ ورد الاستئناف البياني وارد على تقدير السؤال لم تحفظ؟ وليس كذلك بل السؤال عما يكون عند الحفظ وعن كيفيته لأن قوله سبحانه: {وَحِفْظًا مّن كُلّ شيطان مَّارِدٍ} [الصافات: 7] مما يحرك الذهن له فقيل {لاَ يَسْمَعُونَ} جوابًا عما يكون عنده {وَيَقْذِفُونَ} لكيفية الحفظ، وهذا أولى من جعلها مبدأ اقتصاص مستطرد لئلا ينقطع ما ليس نقطع معنى انتهى.
واستدقه الخفاجي واستحسنه وذكر أن حاصله أنه ليس المنفي هنا السماع المطلق حتى يلزم ما ظنوه من فساد المعنى لأنه لما تعدى بإلى وتضمن معنى الإصغاء صار المعنى حفظناها من شياطين لا تنصت لما فيها إنصاتًا تامًا تضبط به ما تقوله الملائكة عليهم السلام، ومآله حفظناها من شياطين مسترقة للسمع، وقوله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ} [الصافات: 10] إلخ ينادي على صحته، والمناقشة بحديث الأوصاف قبل العلم بها أخبار إن جاءت لا تتم فالحديث غير مطرد، وقيل: إن الأصل لأن لا يسمعوا على أن الجار متعلق بحفظًا فحذفت اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذفت أن ورفع الفعل كما في قوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى *** وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وفيه أن حذف اللام وحذف أن ورفع الفعل وإن كان كل منهما واقعًا في الفصيح إلا أن اجتماع الحذفين منكر يصان كلام الله تعالى عنه. وأبو البقاء يجوز كون الجملة صفة وكونها استئنافًا وكونها حالًا فلا تغفل.
{وَيَقْذِفُونَ} أي يرمون ويرجمون {مِن كُلّ جَانِبٍ} من جوانب السماء إذا قصدوا الصعود عليها، وليس المراد أن كل واحد يرمي من كل جانب بل هو على التوزيع أي كل من صعد من جانب رمى منه.
وقرأ محبوب عن أبي عمرو {يقذفون} بالبناء للفاعل ولعل الفاعل الملائكة، وجوز أن يكون الكواكب، وأمر ضمير العقلاء سهل وقوله تعالى:


{دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)}
{جَانِبٍ دُحُورًا} مفعول له وعلة للقذف أي للدحور وهو الطرد والإبعاد أو مفعول مطلق ليقذفون كقعدت جلوسًا لتنزيل المتلازمين منزلة المتحدين فيقام دحورًا مقام قذفًا أو {يقذفون} مقام يدحرون، وعلى التقديرين هو مصدر مؤكد أو حال من ضمير {يقذفون} [الصافات: 8] على أنه مصدر باسم المفعول على القراءة الشائعة وهو في معنى الجمع لشموله للكثير أي مدحورين، وجوز كونه جمع داحر عنى مدحور كقاعد وقعود، وكونه جمع داحر من غير تأويل بناءً على القراءة الأخرى، وجوز أن يكون منصوبًا بنزع الخافض وهو الباء على أنه جمع دحر كدهر ودهور وهو ما يدحر به أي يقذفون بدحور. وقرأ السلمي. وابن أبي عبلة. والطبراني عن أبي جعفر {جَانِبٍ دُحُورًا} بفتح الدال فاحتمل كونه نصبًا بنزع الخافض أيضًا وهو على هذه القراءة أظهر لأن فعولًا بالفتح عنى ما يفعل به كثير كطهور وغسول لما يتطهر ويغسل به، واحتمل أن يكون صفة كصبور لموصوف مقدر أي قذفًا دحورًا طاردًا لهم، وأن يكون مصدرًا كالقبول وفعول في المصادر نادر ولم يأت في كتب التصريف منه إلا خمسة أحرف الوضوء والطهور والولوع والوقود والقبول كما حكي عن سيبويه وزيد عليه الوزوع بالزاي المعجمة والهوى بفتح الهاء عنى السقوط والرسول عنى الرسالة.
{وَلَهُمْ} أي في الآخرة {عَذَابِ} آخر غير ما في الدنيا من عذاب الرجم بالشهب {وَاصِبٌ} أي دائم كما قال قتادة. وعكرمة. وابن عباس، وأنشدوا لأبي الأسود:
لا أشتري الحمد القليل بقاؤه *** يومًا بذم الدهر أجمع واصبا
وفسره بعضهم بالشديد، قيل والأول حقيقة معناه وهذا تفسير له بلازمه. والآية على ما سمعت كقوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير} [الملك: 5] وجوز أبو حيان أن يكون هذا العذاب في الدنيا وهو رجمهم دائمًا وعدم بلوغهم ما يقصدون من استراق السمع.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8